كانت تعنى الانضباط والعلم والأخلاق أما اليوم فهى انفلات وجهل وفوضى وقتل ودماء, فما نراه من انتشار جرائم العنف بالمدارس يدق ناقوس الخطر. |
|
|
|
|
فلقد
أصبحت حوادث العنف بالمدارس جزءا من طابع العنف بالمجتمع المصري
ككل, فلقد شهدنا في السنوات القليلة الماضية عددا هائلا من تلك
الجرائم التي راح ضحيتها تلاميذ صغار سواء علي أيدي زملائهم أو علي أيدي
المدرسين.
فعلي سبيل المثال لا الحصر هناك الواقعة التي شهدتها إحدي المدارس بمحافظة
الإسماعيلية والتي قام فيها أحد الطلاب بقتل زميله خلال مشاجرة نشبت
بينهما فقامت أسرة المجني عليه بمحاولة اقتحام المدرسة للنيل من قاتل
نجلهم, وخلال الأسبوع الماضي قام طالبان بقتل زميلهما لخلافهما
علي لعب الكرة بإحدي مدارس السادس من أكتوبر, وفي مدينة نصر
وأثناء قيام أحد المدرسين بتعنيف طالب داخل الفصل فدفعه دفعة قوية سقط علي
أثرها الطالب من الشرفة ليلقي مصرعه إلي غير ذلك من الحوادث التي تحتاج
إلي وقفة لدراسة تلك الظاهرة المخيفة.
في البداية يشير المستشار خالد الشباسي رئيس محكمة جنايات الأحداث إلي
خطورة تلك الظاهرة, مؤكدا أنه من خلال رصد القضايا التي تعرض
أمام محاكم الأحداث نجد أرقاما مخيفة ووقائع مأساوية تحمل في طياتها
دلالات تنذر بكارثة مستقبلية كبيرة, فمن بين نوعيات عديدة من
الجرائم نجد أن قضايا المخدرات تحتل المرتبة الأولي في جرائم الأحداث كما
نجد أن90 بالمائة من المتهمين في تلك القضايا من طلاب
المدارس.
وتأتي السرقة في المرتبة الثانية والكلام لايزال للمستشار الشباسي حيث
تحتل نسبة طلاب المدارس المرتكبين لتلك الجريمة نسبة60 بالمائة
من إجمالي قضايا السرقة المتهم بها أحداث, ثم تأتي جرائم الضرب
والاعتداء بكل صوره والقتل وحيازة الأسلحة وتزداد تلك الأخيرة بين طلاب
المدارس الخاصة الذين يحملون بعض الأسلحة الخطيرة مثل الصواعق
الكهربائية, فأكثر من120 قضية سلاح تنظرها محاكم
الأحداث شهريا.
ويؤكد أن المثير للاستياء أن معظم الأسلحة التي يتم ضبطها بحوزة طلبة
المدارس مستوردة من الصين, فكيف يتم جلب الأسلحة وتداولها بين
الطلاب وهي ممنوع استيرادها وفقا للقانون.
ويضيف أن برامج الفضائيات وانغماس الأطفال في المشكلات الأسرية واستخدامهم
كأداة فيها إلي جانب عمالة الأطفال كل هذا سيساعد علي ارتفاع معدلات العنف
بينهم, والدليل علي ذلك أنه مع ازدياد جرائم العنف بين الأطفال
هناك ازدياد مطرد في جرائم الانحراف الجنسي وهتك العرض التي يرتكبها أطفال
أو صبية ومن اللافت للانتباه أن المجني عليهم في تلك الوقائع أطفال
مابين7 و12 سنة والجناة لاتتعدي أعمارهم17
سنة, و80 بالمائة من تلك الجرائم المتهم فيها أحداث
يكون مرتكبوها من طلاب المدارس.
ويؤكد رئيس محكمة جنايات الأحداث أن بعض أولياء الأمور يتسببون في الزج
بأبنائهم خلف القضبان ويشير لأحد الأمثلة الصارخة علي ذلك بإحدي القضايا
عندما لقيت سيدة مصرعها في أثناء مشاجرة بين رجل وزوجته وطليقته وحماته في
وجود طفلتيه, وعندما وقعت الجريمة قام الرجل بكل قسوة باتهام
ابنتيه بارتكابها.
أيضا مايتعرض له الأطفال من ظروف سيئة وعملهم بأماكن ذات طبيعة قاسية, كل هذا يولد داخلهم شعورا بالقسوة وأنه لا أحد
يبالي بهم فيشجعهم ذلك علي الانحراف كنوع من الانتقام مما يحدث لهم فأبناء
اليوم لديهم انطباع سيئ نحو الغد, وعلي الرغم من الجهد الكبير
الذي تبذله وزارة العدل بإعداد قوانين وتشريعات خاصة بالطفل وتطويراداء
القضاة للتعامل مع قضايا الاحداث الا ان ذلك الجهد الرائع يحتاج الي ان
تكمله مؤسسات الدولة الاخري.
ويقول المستشار احمد عاصم عجيلة ان المؤسسات العقابية والتي يوضع بها
الطفل اذاما تمت ادانته هي مؤسسات غير صالحة نهائيا فأغلب الاحداث يرتكبون
جرائمهم بشكل عارض, ولكن إذا تم ايداعهم بتلك المؤسسات يصبحون
مجرمين بالفطرة فقد تبين لي من واقع الدراسة لهذه المؤسسات ان كل الافعال
السيئة من مخدرات لاعتداء علي الاطفال لسوء معاملة ترتكب داخلها مما يعمق
الاجرام داخلهم لذلك لابد من اخضاع تلك المؤسسات لإشراف وزارة الداخلية
والقضاء والنيابة العامة وذلك اسوة بالسجون التي اصبحت افضل من تلك
المؤسسات وهنا يعود المستشار خالد الشباسي لالتقاط اطراف الحديث مؤكدا سوء
المعاملة داخل تلك المؤسسات قائلا انه ذات مرة وفي اثناء محاكمة احد
الاحداث فوجئت به يتوسل باكيا ويطلب عدم ايداعه بالمؤسسة
العقابية, مشيرا الي انهم يقدمون3 ارغفة لأكثر
من10 اولاد وفي وقت واحد.
ويري المستشار ايهاب الخولي انه قد آن الأوان لأن تكون محاكم الاحداث
بعيدة عن المحاكم الجنائيةلأن الطفل حينما يعرض علي المحكمة وسط كبار
المجرمين يكون قد اكتسب منهم المزيدمن السلوكيات السيئة, كما
لابد من توفيرشروط خاصة بالأطفال لأن شرطة الاحداث مهمتها القاء القبض
عليهم فقط كما يجب توفير اماكن مناسبة لإيداعهم عقب القبض عليهم بدلا من
حجزهم بأقسام الشرطة وسط المجرمين, اما خبير التربية الدكتور
حسني السيد فيقول ان ما يحدث من عنف في المدارس هوقضية معقدة فغياب
العدالة والقهر وسيادة فوضي القوة ابد اين ينعكس بالسلب سواء علي الطلبة
أو المدرسين فالأبناء اليوم يتجرأون علي اساتذتهم بسبب الثقة التي يمنحها
اليهم اولياءامورهم, وهذا ما نراه في كثير من وقائع الاعتداء
التي شهدناها, اخيرا من اقتحام الاهالي للمدارس بل والاعتداء
علي المدرسين بالضرب اذا ما قاموا بتوجيه الطلبة أو ضربهم هذا الي جانب
ضعف دخل المعلم الذي جعله يلجأ للدروس الخصوصية فأصبح الطالب ينظر لأستاذه
بنظرة تخلو من احترام, فالأسر المصرية اليوم لها دور كبير في
هذا الخلل الذي يسود العلاقة بين المدرس والطالب ويضيف قائلا ان الابناء
اليوم يتعلمون الكذب والتعالي واستخدام عبارات التهديد من اسرهم وعلي جانب
آخرنجد ان المعلم غير مؤهل للتعامل مع الطلاب, وتكون النتيجة ما
نراه من عدم انتظام العملية التعليمية ووقوع العديد من الوقائع
المؤسفة, لذلك اري ان الحل يكون في تفعيل دور مجالس
الامناءوالتي كان يطلق عليها سابقا اسم مجلس الآباء, وذلك
لتدعيم التواصل بين المدرسة واولياء الامور.
اما الدكتور يسري عبد المحسن استاذ الطب النفسي فيحلل جذور المشكلة الي ان
أسبابها ان المدرسة لم تعد مركزا لجذب الطلاب علاوة علي فقدان المعلم
لهيبته, وان ازدياد معدلات العنف داخل المدارس يرجع الي الفراغ
المعنوي الذي يعاني منه الطلاب نظرا لعدم وجود من يتواصل معهم او
يرعاهم, وذلك بجانب المناخ العشوائي السيئ الذي يعيشه الشباب
والذي خلق جيلا من الشباب يتسم باللامبالاة وعدم الانتماء.